اخبار المنظمة

اليمن - تتابع منظمة “صحفيات بلا قيود” بقلق بالغ ما يتعرض له المسافرون من أبناء المحافظات الشمالية، ولا سيما محافظة تعز، من انتهاكات جسيمة تمس حرية التنقل والمعاملة الإنسانية الكريمة، وذلك على يد قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في نقطة التفتيش الواقعة بمنطقة “الفرشة” في مديرية طور الباحة بمحافظة لحج، جنوبي البلاد.
وفقاً للمعلومات التي تلقتها المنظمة، وما وثّقه فريقها الميداني من خلال شهادات عيان ومقابلات مباشرة، فقد قامت عناصر أمنية تابعة لما يُعرف بـ”الحزام الأمني”، يوم السبت الموافق 19 أبريل 2025، بمنع عشرات المواطنين ومركباتهم المدنية، بما في ذلك حافلات النقل الجماعي المتوسطة، من دخول العاصمة المؤقتة عدن، دون أي مسوغ قانوني أو توضيح رسمي للأسباب. وقد رافقت هذه الإجراءات ممارسات تنطوي على تهجم لفظي ومعاملة مهينة لعدد من المسافرين، في انتهاك صارخ لأبسط مبادئ الكرامة الإنسانية والمعايير القانونية. وتلفت المنظمة إلى أن طريق طور الباحة – حيث وقعت هذه الانتهاكات – يُمثّل المنفذ البري الوحيد للقادمين من محافظة تعز إلى عدن، ما يجعل من هذه الممارسات بمثابة حصار غير معلن، يقوّض حرية التنقل ويعرّض حياة ومصالح آلاف المواطنين للخطر، لا سيما المرضى والطلاب والعمال.
وفي سياق هذه الانتهاكات، توثق المنظمة حالة إنسانية لأحد المواطنين من ابناء محافظة تعز – تتحفظ عن ذكر اسمه حفاظاً على خصوصيته – حيث تم منعه هو وشقيقه من دخول العاصمة المؤقتة عدن، رغم توجهه إلى مطار عدن الدولي للسفر إلى العاصمة المصرية القاهرة لتلقي العلاج. ورغم تقديمه جوازات السفر والتقارير الطبية التي تؤكد حالته الصحية، إلا أن عناصر النقطة الأمنية قابلت ذلك بالإهمال والتجاهل، وأجبرته على العودة، في انتهاك فادح لحقه في التنقل والعلاج والكرامة الإنسانية، وهي حقوق مكفولة بموجب الدستور اليمني والمواثيق الدولية ذات الصلة.
كما توثق المنظمة حالة طالبين جامعيين يدرسان في كلية الحقوق بجامعة عدن، كانا قد توجها في زيارة قصيرة إلى قريتيهما بإحدى عزل مديرية الشمايتين، محافظة تعز خلال إجازة نهاية الأسبوع، وأثناء عودتهما لمواصلة دراستهما، فوجئا بمنعهما من دخول مدينة عدن، واجبارهما على العودة دون أي مبرر قانوني، رغم إبراز بطاقاتهما الجامعية التي تثبت وضعهما الأكاديمي. وقد أدى هذا الإجراء التعسفي إلى عرقلة مسارهما التعليمي، في انتهاك واضح للحق في التعليم وحرية التنقل.
لاحقاً، تلقت المنظمة تأكيدات تفيد بأنه تم السماح للمسافرين القادمين من المحافظات الشمالية بالمرور عبر نقطة التفتيش في منطقة الفرشة، وذلك بعد ساعات طويلة من الاحتجاز والمنع غير المبرر، والتي استمرت من ساعات الصباح وحتى المساء من يوم السبت، 19 أبريل 2025.
وفي هذا السياق، نفى المتحدث الرسمي باسم قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، محمد النقيب، في بيان صحفي- تابعته المنظمة- صحة الأنباء المتداولة بشأن منع دخول أبناء المحافظات الشمالية إلى العاصمة المؤقتة عدن عبر النقاط الأمنية. وأوضح البيان أن "حركة المرور تسير بشكل طبيعي، وجميع المسافرين يُعاملون وفقاً للقانون، دون استهداف لأي جهة بعينها"، مضيفاً أن "الإجراءات المتخذة في النقاط الأمنية روتينية وتندرج ضمن المهام الأمنية الاعتيادية لضبط الأمن والاستقرار".
ورغم هذا النفي الرسمي، تؤكد المنظمة أن ما تم توثيقه ميدانياً عبر شهادات متطابقة يشير إلى وجود ممارسات ممنهجة حالت دون عبور عشرات المواطنين دون أي مبرر قانوني، وهو ما يستدعي تحقيقاً شفافاً وتحديد المسؤوليات وضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات مستقبلاً.
وإذ توثق المنظمة هذه الانتهاكات، فإنها تعرب عن بالغ قلقها من تكرار الأنماط السابقة من الانتهاكات الممنهجة التي شهدتها العاصمة المؤقتة عدن خلال الأعوام 2016، 2017، 2018، و2019، والتي تخللتها حملات تهجير قسري بحق مئات المواطنين من أبناء المحافظات الشمالية، بدوافع مناطقية غير قانونية، فضلاً عن منعهم من الإقامة أو الدخول إلى المدينة في فترات متكررة. وتخشى المنظمة أن تشكل الممارسات الحالية امتداداً لتلك السياسات التي سبق وأن قوّضت النسيج الاجتماعي، وأسهمت في إذكاء خطاب الكراهية والتمييز الجغرافي، في ظل غياب المساءلة والرقابة القانونية الرادعة.
وترى المنظمة أن الانتهاكات الأخيرة في نقطة الفرشة لا يمكن فصلها عن سياق أوسع من الممارسات القمعية والممنهجة التي ترتكبها القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في العاصمة المؤقتة عدن، والتي تزايدت وتيرتها بشكل مقلق في الفترة الماضية. وتُذكر المنظمة في هذا الصدد بما جرى في شهر ديسمبر 2024، من انتهاكات جسيمة موثقة طالت عشرات النازحين في مخيمات النزوح داخل عدن، بدوافع مناطقية، رافقها حملات اعلامية منظمة و خطاب تحريضي ممنهج، قادته وسائل إعلام وقيادات وناشطون تابعون للمجلس الانتقالي، وحرّض بشكل مباشر ضد وجود النازحين في المدينة، في مخالفة صريحة لالتزامات الدولة بحماية الفئات الأكثر ضعفاً، وعلى رأسهم النازحين.
كما تشهد في ذات الفترة سلسلة من الانتهاكات التي تطال الناشطين والصحفيين والأعمال الإنسانية، إضافة إلى استهداف الفعاليات الشبابية والاحتجاجات الشعبية، والتي رافقتها حملات اعتقال تعسفية، ومضايقات أمنية، وممارسات ترهيبية تمثل انتهاكاً واضحاً لحقوق التعبير والتنظيم والتجمع السلمي.
تؤكد “صحفيات بلاقيود” أن ما جرى في نقطة الفرشة من منع تعسفي للمواطنين من دخول العاصمة المؤقتة عدن، والتمييز بحقهم على أساس الانتماء الجغرافي، والتهجم اللفظي والمعاملة المهينة التي طالت بعضهم، يشكل انتهاكاً صريحاً للمواد (13) و(17) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، اللتين تنصان على حرية التنقل واختيار محل الإقامة وعدم التعرض للتعسف في التنقل أو الإقامة. كما تمثل هذه الممارسات مخالفة خطيرة لأحكام الدستور اليمني، الذي يضمن في مادته (57) حرية التنقل والإقامة لكل المواطنين دون تمييز. وتعتبر المنظمة أن ما حدث يُصنّف قانوناً كـ تمييز مناطقي وانتهاك لحقوق المواطنة المتساوية، وترهيب نفسي وجسدي محظور بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، وخصوصاً العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي تلتزم به الدولة اليمنية. كما أن ما جرى ضد المرضى والطلاب يرقى إلى انتهاك الحق في التعليم، والصحة، وهي حقوق لا يجوز تقييدها تحت أي ظرف.
وتحذر المنظمة من أن استمرار هذه الممارسات من شأنه تقويض السلم الاجتماعي وتعزيز الانقسام المناطقي، في ظل صمت رسمي غير مبرر، ما يزيد من حالة التوتر وعدم الثقة بالمؤسسات الأمنية والمدنية.
تدين منظمة “صحفيات بلا قيود” بأشد العبارات هذه الممارسات التي تنتهك الحقوق الأساسية للمواطنين، وتستنكر التمييز المناطقي المتكرر والنهج الإقصائي الذي تمارسه القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي بحق أبناء المحافظات الشمالية. وتعتبر المنظمة أن هذه التصرفات لا تمس فقط بحرية التنقل والكرامة الإنسانية، بل تشكل تهديداً مباشراً للسلم الأهلي والنسيج الاجتماعي، وتفتح الباب أمام مزيد من الاحتقان والانقسام، في وقت تتطلب فيه البلاد التماسك والوحدة.
تطالب منظمة “صحفيات بلا قيود” بوقف فوري لكافة الانتهاكات المرتكبة في نقاط التفتيش التابعة للمجلس الانتقالي، وضمان حق المواطنين في المرور الآمن إلى العاصمة المؤقتة عدن دون أي شكل من أشكال التمييز أو الإقصاء، ورفع جميع القيود التعسفية المفروضة على حرية التنقل. كما تؤكد على ضرورة إخضاع المسؤولين عن تلك الانتهاكات للمساءلة القانونية، واتخاذ التدابير الكفيلة بمنع تكرارها مستقبلاً تحت أي ذريعة.
تحث المنظمة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة على تحمّل مسؤولياتهم القانونية والدستورية، والوفاء بالتزاماتهم في حماية حقوق المواطنين، ووضع حد لتغوّل التشكيلات المسلحة الخارجة عن إطار مؤسسات الدولة، وفتح تحقيق عاجل، مستقل وشفاف في هذه الانتهاكات، بما يضمن مساءلة المتورطين وعدم إفلاتهم من العقاب.
تجدد “صحفيات بلاقيود” التزامها الكامل برصد وتوثيق هذه الانتهاكات، وفضحها أمام الرأي العام المحلي والدولي، والعمل جنباً إلى جنب مع كافة الجهات المدافعة عن الحقوق والحريات من أجل وضع حد لها، والانتصار لقيم العدالة والكرامة وسيادة القانون في كل شبر من أرض اليمن.