نعم تستحق ثورة اليمن هذا الثمن – رغم كل ما تلاها

بقلم: توكل كرمان 

قبل ست سنوات، تحديدا في يناير 2011، انطلقت ثورة سلمية في اليمن. وقد حملت ثورتنا السلمية هذه كثيرا من أوجه التشابه وتلك التي اكتسحت بلدان عربية أخرى في ذات الوقت، وهي الظاهرة التي باتت تعرف بـ"الربيع العربي". وكما نظيراتها في غير ما مكان، كانت الثورة اليمنية ردة فعل لا مناص منها تجاه نظام حول البلد الى دولة عائلية فاشلة يحكمها الفساد والمحسوبية. 

نجح اليمنيون في إسقاط الديكتاتور علي عبدالله صالح وإطلاق عملية انتقال ديمقراطي، وأنشأوا حكومة وحدة وطنية متعددة الأطراف مثلت طيفا واسعا من القوى السياسية من كل مناطق البلد. ورغم الصعوبات الكثيرة، شهد الشعب اليمني تقدما هاما وإن كان متواضعا فيما يخص احترام الحقوق الأساسية والحريات المدنية.

ونَعِم اليمنيون بمختلف مشاربهم بالحريات والحقوق دونما قيود، ولعل هذا هو أعظم وأهم منجز لثورتنا السلمية. ومع مضي الثورة قدما شارك اليمنيون من جميع أنحاء البلد في مؤتمر وطني شامل عكس رغبة واسعة بدولة مدنية حديثة. وفي نهاية المطاف خرج هذا الحوار بنص مسودة الدستور، على أن يتم إجراء استفتاء على الدستور الجديد في غضون الأشهر القادمة ويتلوه انتخابات محلية ووطنية. 

بيد أن ذلك الاستفتاء الذي كان سيكون إيذانا ببدء حقبة جديدة من سيادة القانون في اليمن، لم يجر. في 21 سبتمبر 2014، احتلت ميليشيات تابعة لحركة الحوثي السياسية المتحالفة مع قوات موالية للمخلوع صالح وبدعم وتمويل من إيران، العاصمة صنعاء ووضعت رئيس الانتقالي، عبد ربه منصور هادي، وغيره من اعضاء الحكومة تحت الإقامة الجبرية. ثم اتجهت قوات الحوثي وصالح تجتاح البلدات والمدن في طول البلاد وعرضها وتستولي على الحكومات المحلية، فانبرت لها الحكومة الانتقالية في المقابل وبدأت الحرب.

انقلاب الحوثي وصالح هو المسؤول عن الحرب والدمار الذي شهدته اليمن منذ ذلك الحين. وهذا السياق مهم لفهم نكبة اليمن سيما ونحن نعمل لإنهاء هذه الحرب المدمرة وتحقيق السلام المستدام في بلدنا.

قوض الانقلاب لتوه الحقوق والحريات، ليس اقلها حرية التعبير وحرية الصحافة، التي نالها اليمنيون خلال الفترة الانتقالية، حيث أغلقت قوات الثورة المضادة الصحف والقنوات الفضائية والإذاعات. كما عمد قادة الانقلاب الى حظر الأحزاب السياسية ومنظمات حقوق الإنسان والجماعات المدنية، وتم اعتقال وتعذيب وقتل الآلاف.

وغدت الاحتجاجات، الاعتصامات، الإضرابات وغيرها من أشكال المقاومة السلمية التي بااتسمت بها الحياة السياسية الحيوية خلال الفترة الانتقالية مجرد ذكريات من الماضي، وبات القمع والاعتقال والقتل خارج إطار القانون هو المعيار الجديد في عهد حكم الميليشيات.

لكن رغم كل هذه التحديات، تركت ثورتنا السلمية إرثا قويا، حيث بذرت بذور الثورة والمقاومة ضد القهر والظلم، ولن تنطفي جذوة هذه الروح التي أوجدتها الثورة أبدا، ويوما ما سوف تحقق الأهداف التي حلم بها شعبنا؛ يوما ما سينعم شعبنا بالحرية والكرامة والرفاهية التي يستحقها في ظل بلد ديمقراطي يكفل سيادة القانون والمساواة والرخاء الاقتصادي، ونحن نأبى فقد الأمل.

يتساءل البعض: هل يستحق هذا الحلم كل تلك المعاناة التي عاشها الشعب اليمني خلال السنوات التي تلت؟

الجواب نعم، اذ لن تتحقق الحرية دون تضحية، والعيش بكرامة يستحق حتما أغلى الأثمان، وندرك أن هذه التضحيات فرضت علينا، فنحن لم نختر الحرب، بل فرضت علينا عقابا على رغبتنا في الحرية والديمقراطية. حينما بدأنا ثورتنا، كنا نعي أن الحرية ليست مجانية، وأن بعض المتظاهرين السلميين سيدفعون ثمنا باهظا. كان هذا واضحا لنا من لحظة أن بدأنا ننادي بإسقاط الدكتاتور. 

كنا نعلم اننا لن نستقبل بالورود، بل حتى ونحن نواجه العنف رفضنا الرد بالمثل، فقد عقدنا العزم على مواجهة العنف بالسلم وليس بالعنف المضاد. كنا نريد ديمقراطية من أجل شعبنا، وهذا اقصى غاية ثورتنا السلمية. لكن هل يمكن لليمن أن تنعم بديمقراطية فيما الدولة العميقة للنظام المستبد تعمل على اجهاضها؟ 

هناك طريقة لتحقيق سلام مستدام في اليمن. أولا، علينا إلغاء كافة الإجراءات التي اتخذها قادة الانقلاب واستعادة جميع مؤسسات وأنظمة ما قبل الانقلاب، وتنفيذ كافة الاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال الحوار الوطني، بما في ذلك إجراء استفتاء على مشروع الدستور والانتخابات اللاحقة. كما يجب التأكيد على مبدأ أن الدولة وحدها من لديها الحق في احتكار العنف وحيازة واستخدام الأسلحة، وهو ما يقتضي نزع سلاح جميع الميليشيات والجماعات المسلحة، التي يتعين عليها التحول إلى أحزاب سياسية تشارك بفاعلية في العمليات السياسية كالانتخابات، فالعنف يجب ان لا يبقى خيارا لأية جماعة أو حزب.

لا شيء من هذا، بطبيعة الحال، سوف يكون سهلا، فقد رأينا بوضوح تام كيف دفع الخوف من التغيير القوى المضادة للتآمر على الربيع العربي في سوريا ومصر واليمن حيث كانت النتائج مدمرة. ان تدخل القوة الخارجية وعلى رأسها إيران قد تسبب في خسائر مروعة. 

ونحن في الثورة، كنا نتطلع إلى مساندة المجتمع الدولي ووقوفه بجانبنا في محاربة الاستبداد، وكنا نعول كثيرا على هذه الشراكة، لكن توقعاتنا- ويا للأسف- سرعان ما تبددت. 

هل علينا ان نخوض معركتنا من أجل الحرية والتحرر لوحدنا-دون دعم من الشركاء الذين يدعون الى احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي؟ يقع على عاتق حكومات العالم المتحضر والديمقراطي مسؤولية أخلاقية تتمثل في دعم ومساعدة أي ثورة تسعى الى الحرية والديمقراطية.

ليس هذا ما حدث في أعقاب الربيع العربي، بل أخذ العالم بدلا من ذلك يتفرج والديكتاتور بشار الأسد يطلق العنان لآلته العسكرية لتنال من أولئك الذين تظاهروا سلميا ضد نظامه في سوريا. وهي ذات الدول التي التزمت الصمت ايضا بينما العسكر في مصر يسحقون بلا هوادة أولئك الذين تظاهروا من أجل حريتهم في ميدان التحرير. وبالمثل خاب أمل اليمنيين حين تركنا العالم الحر لنواجه مصيرنا غير عابئ بالفظائع والمجازر التي لاقيناها.

لكن بالرغم من كل الخيانة والمعاناة، نوجه رسالة للعالم ونقول: إننا نرفض أن نختار بين الدكتاتورية والفوضى القاتلة، بين الدكتاتورية والإرهاب. اننا نتبنى خيارا ثالثا: حرية وكرامة مصونة ومحمية بنظام ديمقراطي. وسنناضل من اجل هذا الهدف النبيل ونتحمل من أجله الاعباء المصاحبة. 

وسط الفوضى التي أحدثها الطغيان، نقول لأولئك الذين فقدوا الأمل: ثوراتكم مجيدة، ومطالبكم في التغيير سوف يتحقق. هذا ما علمناه التاريخ. وبرغم الخيانة، والتآمر، والانقلابات، والثورات المضادة سوف تنتصرون، فهذا قدركم.

 

* لقراءة المقال في صحيفة الواشنطن بوست الاميركية

https://www.washingtonpost.com/news/democracy-post/wp/2017/02/24/yes-yemens-revolution-was-worth-it-despite-everything-that-came-next/

Subscribe now to get my updates regularly in your inbox.

Copyright © Tawakkol Karman Office

Search