كلمات

كلمة توكل كرمان في فعالية رفيعة المستوى حول ريادة الأعمال الاجتماعية والشباب والتكنولوجيا - نيويورك
بداية أتقدم بالشكر للسيد الرئيس..في الواقع، من الصعب مناداته بلقب معين، أأقول له سيادة الرئيس أم سيادة المستشار. على كل حال، سأناديه كبير المستشارين كما هو مدون هنا.
السيد يونس صديقي، ومرشدي، وأستاذي..
إنه لمن دواعي سروري أنني والسيد يونس نحوز على نفس الجائزة – جائزة نوبل للسلام.
أتذكر أنني آخر مرة التقيته، قبل أن يصبح كبير المستشارين، في الفاتيكان العام الماضي، وقد جرى الحديث حينها عن كيف يمكن لزملائه من الحائزين على جائزة نوبل وغيرهم من قادة العالم الوقوف الى جانبه في وجه الظلم الذي كان يتعرض له وما السبيل لحمايته من دخول السجن آنذاك.
لكن واذا بكل شيء يتغير فجأة في بنغلاديش، وتنتصر الثورة السلمية، ويصبح زميلنا محمد يونس قائداً لهذه الفترة الانتقالية. لذا، أنا فخورة به للغاية، وفخورة بشعب بنغلاديش، وفخورة بطلاب بنغلاديش. إنني فخورة بهم جميعًا لأسبابٍ كثيرة، وفي مقدمتها أنهم أثبتوا صحة كلامي. إذ كنت فكلما دافعتُ عن الربيع العربي يبادرني احدهم بالسؤال: "من اين لك هذا الأمل؟"، فأجيب: من الشباب. علينا أن ألا نفقد أملنا، وأن نؤمن بالمستقبل مهما كانت الفوضى ومهما كان حجم الدمار من حولنا. يجب أن نؤمن بأنفسنا، وسترون أننا سنحتفل يومًا ما بالنصر الكامل للربيع العربي، والنصر الكامل لشعوب العالم التي تناضل من أجل حريتها وكرامتها وديمقراطيتها وازدهارها. وهذا ما يحدث في بنغلاديش، فشكرًا جزيلًا لكل فرد في بنغلاديش، وخاصةً الشباب. هذا أولا.
من جانب آخر، لنتحدث عن التحديات التي تواجهها البشرية الآن. يصادف اليوم الذكرى الثمانين لتأسيس الأمم المتحدة، هذه الدولية التي أُنشئت لسبب واحد: لوقف الحروب، لوقف الإبادة الجماعية، لتكون الى جانب الشعوب، وتجسد شعار "كفى يعني كفى". قامت الأمم المتحدة لتكون سندا للمظلومين وعوناً للشعوب لنيل حقوقهم الإنسانية وممارستها.
الآن، وبعد مرور ثمانين عامًا على تأسيس هذه المنظمة العظيمة، التي تعكس إنسانيتنا المشتركة، هناك سؤال يطرح نفسه: ما هي مخرجاتها؟ وما الذي تحقق فعلا؟ قد تكون هناك إنجازات كثيرة تحققت، لكن الحروب لا تزال قائمة، والصراعات لا تزال مستمرة، والدكتاتوريات لا تزال جاثمة بل ويسند بعضها بعضا، والاحتلال لا يزال مستمراً، والإبادة الجماعية ترتكب وخير شاهد على ذلك ما يجري في فلسطين.
إن تحدثنا عن حقوق الإنسان، سنجد أنها في تراجع لا في تقدم، وإن تحدثنا عن الفقر، فسنجد أننا لم نمنع ما هو أقل منه وهو المجاعة التي يعاني منها الكثير حول العالم، وابرز دليل على ذلك المجاعة في غزة.
هناك فجوة بين الدول الغنية والفقيرة، وفجوة واسعة بين الأغنياء والفقراء. لا ينبغي أن يكون هذا من مخرجات الأمم المتحدة التي تتمثل مهمتها في دعم التنمية وتعزيز العدالة الاجتماعية والمساواة بين الأمم وبين الشعوب. فلماذا لا نزال نكافح الفقر؟ لماذا لا نزال نتحدث عن كيفية القضاء عليه؟ بعد مرور 80 عاما يفترض أن تخطيطنا المستقبلي يهدف الى تحقيق ازدهار حقيقي – وإلى تمكين الشعوب من عيش حياة كريمة وليس البقاء المراوحة عند الفقر، ومع ذلك، لا يزال الفقر جاثماً.
وفي الآن ذاته، نجد أن البيئة في تدهور مستمر، والاحتباس الحراري في تصاعد، ولا توجد طريقة حقيقية لوقف ذلك. لهذه الأزمات أسباب عديدة، لكن يظل السبب الأبرز هو ضعف الأمم المتحدة، التي فشلت في التصرف بقوة وسلطة. إننا إذا أردنا حقا إنقاذ البشرية، فعلينا إصلاح هذه المنظمة وجعلها قادرة على أداء رسالتها، فضعفها جعلها غير قادرة على تحقيق رسالتها التي نشأ لأجلها. ينبغي أن تكون مؤسسة قوية – مؤسسة بمقدورها أن تصدر قرارات واتفاقيات ملزمة للدول، لا سيما في مجالات المساواة والحرية وحقوق الإنسان وحماية البيئة. لكن للأسف، الأمم المتحدة ضعيفة للغاية. في هذه الذكرى الثمانين، علينا أن نتكاتف ونرفع أصواتنا، فنحن بحاجة إلى إصلاح هذه المؤسسة إذا أردنا فعلا إنقاذ البشرية.
وإذا ما استمر هذا الضعف، فلن تتمكن من وقف الحروب حول العالم - وأنتم تعلمون ما يحدث الآن، وسنشهد المزيد من الإبادات الجماعية، وستستمر الحروب، وسيستمر الفقر، وسيستمر التحول المناخي – ذاك الدمار الذي يلحق بأرضنا. لهذا السبب نأمل في إصلاح هذه المؤسسة. يجب أن تتحد أصواتنا من أجل هذه القضية. وليس الأمم المتحدة وحدها من تحتاج الى اصلاح - بل جميع المؤسسات الدولية الكبرى بحاجة إلى إصلاح ايضا. يجب أن تكون الأمم المتحدة هي الصوت المعبر عن جميع الدول، دون أي أن تتجاهل أيا منها - وخاصة دول الجنوب.
إننا في أمس الحاجة إلى هذه الإصلاحات، وعلينا أن نتحلى بالشجاعة الكافية لنعلنها، وإلغاء حق النقض (الفيتو) - حق النقض للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن - ضرورة في هذا السياق لأنه يقتصر على خمس دول لم تجعل من حقوق الانسان أولوية لها. إنني هنا لأُعبّر عن صوت الشعوب، وأنا أحب هذه المؤسسة، وأعدها بمثابة حكومةً دوليةً يجب أن تتحد في ظلها جميع شعوب العالم. لكن علينا أن نمكنها مما يجعلها قادرة على القيام بذلك- من امتلاك أدوات ودستور وتمويل وآليات ملزمة تضمن احترام جميع الدول الأعضاء لحقوق الإنسان وحماية البيئة ودعم العدالة الاقتصادية. كما نحتاج إلى معالجة مسألة التكنولوجيا: يجب أن نحترم حق الناس في الوصول إليها، وأن نضمن عدم استخدامها كأداة للقمع أو للسيطرة على العقول.
شكرًا جزيلًا لكم.