الأنشطة
توكل كرمان تحذّر في ندوة دولية من تصاعد الاستبداد وتدعو لحماية النساء المدافعات عن الحقوق
حذّرت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، من اتساع موجة الاستبداد عالمياً، مؤكدة أن النساء المدافعات عن حقوق الإنسان يواجهن أخطر مرحلة منذ عقود.
جاء ذلك في الكلمة الرئيسية التي ألقتها أمام الندوة العالمية الافتراضية "الدفاع عن الديمقراطية وسيادة القانون في ظل عدم الاستقرار العالمي"، التي نظمتها منصة القضاء على العنف ضد المرأة "EDVAW" بمناسبة اليوم الدولي للمدافعات عن حقوق الإنسان.
وقالت كرمان إن العالم يشهد انهياراً متسارعاً في منظومات الديمقراطية وسيادة القانون، مشيرة إلى تزايد القيود على حرية التعبير، واتساع الرقابة الرقمية، واشتداد النزاعات المسلحة، مشيرة إلى أن التراجع الديمقراطي بات سمة عالمية، وأن النساء الناشطات هن أول من يدفع الثمن.
انتهاكات منهجية ومقصودة
وأكدت كرمان أن المدافعات يتعرضن لأشكال متعددة من الانتهاكات، تشمل العنف الجنسي، والملاحقات القضائية، وحملات التشويه، والهجمات الرقمية، والتهديد بالقتل، مشددة على أن هذه الانتهاكات منهجية ومقصودة وتهدف إلى إسكات النساء وتقويض دورهن في الحياة العامة.
ولفتت كرمان إلى أن النساء في دول مثل ميانمار وإيران والسودان واليمن وفنزويلا “يقفن في الصفوف الأولى لمواجهة القمع، مؤكدة أنهن يحملن العبء الأخلاقي الأكبر في مقاومة الاستبداد.
وأضافت كرمان أن الديمقراطية لا تُحمى بالدساتير وحدها، بل بالشجاعة الإنسانية لمن يجرؤون على قول الحقيقة.
تعزيز آليات الحماية
ودعت كرمان الحكومات والمنظمات الدولية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة، بينها تعزيز آليات الحماية، ومحاسبة الدول التي تستخدم قوانين الإرهاب لإسكات الناشطات، وضبط العنف الرقمي، وضمان المشاركة السياسية للنساء.
كما طالبت كرمان بحماية الفضاء المدني، ودعم الإعلام المستقل، وبناء شبكات تضامن عابرة للحدود.
لا ديمقراطية بلا نساء
وقالت كرمان، التي تحدثت انطلاقاً من تجربتها مع الثورة والحرب، إن المدافعات يشعرن غالباً بالوحدة والتجاهل، لكنها أكدت أن الشجاعة أقوى من القمع، وأن التضامن أقوى من الخوف.
وختمت توكل كرمان بدعوة المجتمع الدولي إلى التحرك، مؤكدة أن لا ديمقراطية بلا نساء، ولا سلام بلا عدالة، ولا مستقبل بلا حماية للمدافعات عن حقوق الإنسان.
وفيما يلي نص الكلمة:
كلمة توكل كرمان في ندوة الدفاع عن الديمقراطية وسيادة القانون في ظل عدم الاستقرار العالمي
السادة المفوضون.. الزملاء الأعزاء.. الأصدقاء الكرام،
يشرفني الانضمام إليكم اليوم ونحن نحيي اليوم الدولي للمدافعات عن حقوق الإنسان. هذا اليوم ليس مجرد ذكرى — بل هو دعوة للعمل، وتذكير، وواجب أخلاقي. إنه يذكرنا بأن النضال من أجل حقوق الإنسان والمساواة والديمقراطية عبئ يومي ملقى على أكتاف نساء يقفن في مقدمة الصفوف عارين من أي حماية، وإن كن غالبًا بلا صوت مسموع، إلا ان ارادتهن لا تلين.
نجتمع اليوم تحت شعار بالغ الإلحاح:
الدفاع عن الديمقراطية وسيادة القانون في ظل عدم الاستقرار العالمي.
والحق أن العالم يواجه اضطرابًا على نطاق لم نشهده منذ عقود.
فالاستبداد في تصاعد عبر القارات،
وحرية التعبير في تراجع دائم،
والتجسس الرقمي في اتساع.
تزداد الحروب والاحتلالات والنزوح،
وأزمة المناخ تزيد من وتيرة الصراعات وتعمّق الفوارق.
وأصبح التراجع الديمقراطي سمة بارزة لعصرنا.
في هذا السياق، يواجه المدافعون عن حقوق الإنسان، وخاصة النساء، خطراً غير مسبوق:
• يُحاكمون في محاكم تحرمهم العدالة.
• يشوهون في وسائل إعلام تنال من شجاعتهم.
• يُلاحقون عبر جيوش من المتنمرين والمرتزقة الرقميين.
• ويُستهدفون في الشوارع من قبل الميليشيات وأجهزة الأمن التي تخشى قوة أصواتهم.
بدءا من قادة المعارضة في فنزويلا، مروراً بناشطي الديمقراطية في ميانمار، ووصولاً إلى النساء في السودان وإيران وأفغانستان واليمن وفلسطين وسائر البلدان، تحمل النساء العبء الأخلاقي للمقاومة ضد الطغيان.
ومع معرفتهن بحجم المخاطر، إلا أنهم يواصلن المسير، لأنهن يدركن حقيقة يعجز المستبدون عن فهمها:
لا يمكن لأمة أن تكون حرة ما لم تكن نساؤها حرّات.
الديمقراطية وسيادة القانون لا يحميهما الدستور وحده، ولا المؤسسات وحدها، بل يحميهما الناس، والشجاعة الأخلاقية، وأولئك المستعدون لقول الحقيقة في وجه السلطة.
المدافعات عن حقوق الإنسان هنّ حارسات الديمقراطية:
• يكشفن الفساد؛
• يوثّقن الجرائم؛
• يدافعن عن الناجين؛
• يحشدن المجتمعات؛
• يواجهن الديكتاتوريات؛
• يتحدّين الأيديولوجيات المتطرفة،
• يطالبن بالعدالة لمن نسيهم العالم.
هن لا يحمين الحقوق فقط؛ بل يحمين إمكانية بناء مستقبل تكون فيه سيادة القانون حقيقية، لا صورية.
لكن لا يمكنهن القيام بذلك وحدهن، ولا ينبغي أن يُتركن لمواجهة القمع بمفردهن.
لقد حذّرت منصة EDVAW مراراً من اتجاه مقلق، ألا وهو: تزايد الانتقام القائم على النوع الاجتماعي ضد المدافعات عن حقوق الانسان.
فالنساء يتعرضن لـ:
• العنف جنسي بسبب نشاطهن.
• تشويه السمعة بوصفهن "عملاء أجانب" أو "خائنات" أو "غير أخلاقيات".
• التجريم بموجب قوانين مكافحة الإرهاب؛
• تكميم الأفواه من خلال تقنيات التحرش والمراقبة عبر الإنترنت؛
• الإجبار على المنفى.
• وفي كثير من الحالات، يتعرضن للقتل.
هذه الهجمات ليست عشوائية، بل استراتيجية ومقصودة، لأن المستبدين يدركون أن إسكات النساء المدافعات يضعف المجتمع نفسه.
ولذلك، فإن الدفاع عن الديمقراطية اليوم يعني الدفاع عن النساء اللواتي يحمينها.
هذه ليست معركة إقليمية، بل نضال عالمي مشترك:
• في الشرق الأوسط، تخاطر النساء بحياتهن لكشف جرائم الحرب والاحتلالات والميليشيات.
• في إفريقيا، يوثّقن الفظائع في السودان والكونغو ومنطقة الساحل.
• في أمريكا اللاتينية، يواجهن عنف الدولة وجرائم قتل النساء والجريمة المنظمة.
• في آسيا، يقاومن الانقلابات العسكرية والتطرف الديني والقمع.
• وحتى في الديمقراطيات الراسخة، تواجه الناشطات دعاوى قضائية وحملات تشويه وإساءة رقمية تهدف لإسكات أصواتهن.
هذه الأزمة العالمية تتطلب تضامناً عالمياً.
وبينما نتأمل اليوم، دعونا نؤكد مجددًا على الخطوات العاجلة اللازمة لحماية المدافعات:
• تعزيز آليات الحماية الوطنية والدولية،
• بما في ذلك "تأشيرات الطوارئ"، وأنظمة الاستجابة السريعة، والملاجئ الآمنة للمدافعات المعرضات للخطر.
• محاسبة الدول
يجب عدم السماح للحكومات باستخدام قوانين الأمن القومي أو مكافحة الإرهاب لتجريم النساء المدافعات عن العدالة.
• مكافحة العنف الإلكتروني والاستبداد الرقمي
يجب الضغط على شركات التكنولوجيا ضبط التحرش وخطاب الكراهية والهجمات المنسقة التي تستهدف النساء.
• ضمان المشاركة الكاملة للمرأة في الحياة السياسية والعامة
لأن الإقصاء هو الخطوة الأولى نحو الاستبداد.
• معالجة الأسباب الجذرية للقمع
بما في ذلك الاحتلال، والديكتاتورية، والفساد، والإفلات من العقاب، وعدم المساواة الاقتصادية.
• حماية الفضاء المدني
بدون حرية الإعلام، وحرية تكوين الجمعيات، واستقلال القضاء، لا يمكن للمدافعين عن حقوق الإنسان العمل.
• بناء شبكات تضامن عابرة للحدود
تعتمد قوة الديمقراطية العالمية على قوة صوتنا الجماعي.
بصفتي شخصًا عاش الدكتاتورية والثورة والحرب والمنفى، أعرف ثمن الدفاع عن الحقوق.
أعرف الثمن الذي تدفعه النساء لمواجهة الطغيان.
وأعرف شعورهن بالوحدة حين يرفض العالم رؤية معاناتهن.
لكنني أعرف أيضاً:
أن شجاعتنا أقوى من عنفهم.
أن أصواتنا أعلى من أسلحتهم.
أن تضامننا أشد قوة من قمعهم.
نحن لا ندافع عن الديمقراطية فقط، بل ندافع عن مستقبل الإنسانية.
اليوم، في اليوم الدولي للمدافعات عن حقوق الإنسان، فلنكن واضحين:
النضال من أجل الديمقراطية هو نضال من أجل الكرامة الإنسانية.
النضال من أجل سيادة القانون هو نضال من أجل المساواة.
نضال المدافعات عن حقوق الانسان هو نضال العالم بأسره.
فلنكرمهن بما هو أكثر من الكلمات.
فلنكرمهن بالحماية والمساءلة والتضامن والعمل.
لأنه بدون المدافعات لا وجود للديمقراطية.
وبدون الديمقراطية لا وجود للعدالة.
وبدون العدالة لا يمكن أن يكون هناك سلام.
شكراً لكم!

